يا الهي، انت تحبّني حتى وان كان ليلا، لانّك في الظلمة تُسمع صوتك. انت يا الهي ساكنٌ في نفسي وانت حاضرٌ فيها بشكل عجيب. وفي حياة كل منّا يجب ان يحدث شيئا ما لكي يكتشف حضورك هذا ويبدأ المسير معك.
الينبوع
(قصيدة ألفها القديس يوحنا الصليبي خلال فترة سجنه في قبو صغير مظلم)
الينبوع! انا ادري انّ الينبوع يتدفق ويجري؛ حتى وان كان ليلا.
هذا الينبوع الأبدي مخفي لكنّي اعلم اين هو؛ حتى وان كان ليلا.
أصله لا ادريه، لأن لا بداية له، ولكنني أعلم أنّه هو أصل كل الاشياء؛ حتى وان كان ليلا.
وأنا ادرك أن ليس هناك جمالا يضاهي جماله، وأن السماء والأرض يستقون منه؛ حتى وان كان ليلاً.
وأنا أعلم تمام العلم انّ لا غش فيه، وأن لا أحد يستطيع تغييره؛ حتى وان كان ليلا.
وأعلم ايضا انّ بهاءه لا يُحجب وانّ كل نيّر من نوره يستمد؛ حتى وان كان ليلا.
وادري تماما انّ تياراته القوية تسقي السماء والارض والجحيم؛ حتى وان كان ليلا.
وادرك انّ الاودية التي تصدر من هذا الينبوع هي قوية وقادرة على كل شيئ؛ حتى وان كان ليلا.
واعلم انّ التيار الآتي من هؤلاء الاثنين ليس له سابق؛ حتى وان كان ليلا.
وادرك ايضا انّ هذا الينبوع مخفياً في شكل الخبز والخمر ليعطينا ذاته طعاما؛ حتى وان كان ليلا.
وها هنا هو باقٍ ينادي جميع المخلوقات كي يأتوا ويستقوا منه لأنّ الليل قد داهم.
ولهذا اليبوع الابدي تتوق نفسي، وفي هذا الخبز السماوي أُلاقيه؛ حتى وان كان ليلا.
تأمل:
الله يريد ان يجذبنا اليه وان يجعلنا ندرك انّه ساكن في داخلنا، ولهذا لا يكفّ عن ان يضع في طريقنا “ايات واشارات” حتى يوقظنا ويفتح اعيننا ويرشدنا الى الطريق الصحيح.
طوال مسيرة حياتنا نواجه العديد من الصعوبات التي ما هي الا هذه الاشارات المرسلة من الله لنا: آلام جسدية ونفسية، جوع وعطش (بالمفهوم المادي او المعنوي)، منازاعات وحروب، ظلم، وحدة، ضعف بشري وحتى الخطايا؛ وخاصة في ايامنا هذه، حيث تنزع نوبة الكورونا من نفوسنا كل ثقة وامان وتجبرنا على التساءل: ما معنى كل هذا؟
وها انّ القديس يوحنا الصليبي يأتي لمساعدتنا وكأنّه يقول لكل واحد منّا بعبارة من الممكن اعتبارها خلاصة تعاليمه الروحية: تشجع، هلّم وانهض، لا تبقَ خاملا واقفا في مكانك، انهض وابتدأ او تابع المسير على درب “العدم” الذي يقودك الى امتلاك “الكل” امتلاك الحب اللامتناهي.
يوحنا الصليبي اذا يحثّنا على بداية المسيرة او استئنافها بادراك جديد وهو انّ الله ساكن في داخلنا وانّنا نملك فرصة كبيرة بان نتّخذه صديقا لنا، ونبني علاقة حوار حميمة معه فهو الذي يعرفنا افضل من اي آخر وانّه سيستجيبنا.
فدعونا نترك الباب مفتوحا امام هذا الاله ليملأ قلبنا بالرجاء والامل ويعيد الى شفاهنا الابتسامة لأننا واثقين انّ محبّته دائمة الى الابد، ولنسلّم له زمام حياتنا ليقودها بمعرفته الالهية. وهكذا نستطيع تحويل كل العواقب التي نلقاها في طريقنا الى فرص تفيدنا وتنقي قلوبنا من كل شائبة.
ومهما كان اليل طويلا وكانت ظلمته حالكة، سيتحول الى خلاص، ولهذا لا يجدر بنا ان نخاف، بل علينا ان نشق الطرقات حتى وان لم يكن هناك اي نور؛ علينا ان لا نترك ساحة المعركة وان نواصل السير حتى اذا تعثرنا ووقعنا فانّ الله يرافقنا ويسير بجانبنا مستعد كل الاستعداد ان يمدّ لنا يد العون لننهض.
صلاة:
يا رب، الآن وقد أثقل الحزن واليأس قلبي، قُدني انت وليس لي نورا الا الايمان بك. ارسل روحك القدوس ليُثبت في اعماقي حقيقة اني لك ابنا؛ ساعدني كي اتقبل من يديك كل ما يحدث لي، وازرع فيَّ الثقة انّ كل شيئ يأتي لخيري. هب لقلبي ان يجد بمحبتك اجوبة عن كل تساؤلاته، ولعيوني ان تراك سائرا في دروب حياتي الأليمة.
يا رب ها هو ايماني بك لأنّك انت الحق.
يا رب اضع رجائي فيك لأنك امين ولا تخذل.
يا رب اني احبك لأنك صالح.
من دير الرهبان الكرمليين – المحرقة عشية عيد القديس يوحنا الصليبي.
تأليف الاب خوليو المنسا وبيترو باروكو.