“العيش بفرح”

تشرين الثّاني، بالرّغم من كونه شهر الموتى… فإنّ الموضوع خطر ببالنا، السّعادة، الفرح… عندما نفكّر بلقاء الكرمل العلمانيّ كعنصر ومركّب حيويّ في حياتنا المسيحيّة…

الرّاهب الكرمليّ “الأخ خسوس كاستلانو” الّذي كتب عن الفرح كمركّب وعنصر مهمّ لتوازننا الرّوحيّ، لجماعتنا ومهمّتنا، الموضوع الّذي سأحدّثكم عنه اليوم يخصّ راهب نصفه اسبانيّ ونصفه الآخر إيطاليّ. لقد كتب مقالا بعنوان “الوصايا العشر للفرح” حيث يشرح لماذا يجب أن نكون سعداء… ليس فقط لأنّ “القدّيس الحزين هو قدّيس حزين”، ولكن لأنّ هذا له عواقب إنسانيّة ونفسيّة ويفيد جسد الكنيسة

  1. الفرح المجّانيّ

يقصد به العيش دائما مع الشعور بالامتنان والعرفان (الاعتراف بالفّضل، بالجميل) الأوّل يمكّننا من العيش بقلب ممتنّ أمام الله. الشّعور بالعرفان يدعونا إلى منح أنفسنا للآخرين دون إيلاء الكثير من الاهتمام لأنفسنا. العيش بقلب ممتنّ يجعلنا ندرك ما نتلقّاهُ من الله، في وقت الصّلاة، في لحظات التّأمّل الصّغيرة. ويفتح قلبنا لخدمة ومحبّة الآخر، يسمح لنا بالخروج من ذواتنا وعيش فرح الشراكة، فرح العلاقة مع الآخر بإبداع وتحسين ما يحيط بنا. الحياة المنفتحة على الآخرين تجعلنا نشارك ونمنح أنفسنا دون مقابل بفرح وبحرّيّة.

  1. أمام الله في الصّلاة

في بعض الأحيان، بشكل شبه غير واع، نشعر أن حالتنا الذّهنية، حتّى لو لم يكن لدينا مشاكل جدّيّة، حالتنا الذّهنيّة (النّفسيّة) لها مناطق مظلّلة (معتمة). يكفي أن نغوص قليلا إلى الأعماق في ضميرنا حتّى نميّز ونحدّد آلام الروح الصّغيرة، أمراضنا الصّغيرة، عوائق صغيرة لا تسمح لنا بالاستمتاع بحياتنا اليوميّة. هكذا شيئا فشئيا نفقد طاقتنا الرّوحيّة. في هذه الحالات، القليل من التّواضع هو أفضل داء لجراحنا – كما تقول القدّيسة تيريزا الأفيلييّة – والوداعة الّتي تتمثّل في معرفة كيفيّة التّعامل مع الآخر وتحمّل أنفسنا. كل هذا، إذا أخذنا الأمور بواقعيّة إلى الصّلاة وطلبنا رحمة الله  فهذه أفضل طريقة للخروج والمضيّ قدما من جديد.

  1. التّغلّب على إغراء الفرحة

في أحيان أخرى تطاردنا حموضة روحيّة، نوع من الخمول أو التّراخي (كسل) الّذي يسلب منا رغبتنا في الحبّ أو الإيمان أو توقّع شيء جديد. لحظة تأمّل، صلاة مستمرّة، إعادة ترتيب سلّم أولوياتنا، في حياتنا، ستسمح لنا باستعادة الانسجام الرّوحيّ. من الممكن أن نكون قد أهملنا جانبا من حياتنا (عاطفيّة، روحيّة، صلاة، راحة، معرفة كيف نأخذ وقتا لأنفسنا…) إنّ إعادة تعديل هذه الثّوابت الحيوِيّة (الأسس) سيعيد التّوازن والنّور والفرح للروح.

  1. جمال الحياة اليوميّة

يتم معالجة الحياة من الصباح بفرحة ومفاجآت صغيرة، الليتورجيا الحسنة، لقاء الإخوة والأخوات أو زملاء العمل، الطّعام، النّظافة الشّخصيّة، الرّاحة، عمل جيّد، العلم بأنّنا بصحبة من يحبوّننا … كل هذا يشكّل (يصوغ) روحانيّة صحيّة للحياة اليوميّة. ممّا يسمح لنا بمواجهة الصعوبات بطاقة، بروح دعابة جيّدة والنّظر إلى الجانب الإيجابيّ للأمور. وإذا كانت لدينا الشّجاعة لمشاركة كل هذه الأمور فإنّ الفرح يتضاعف ويصبح شركة مع الآخرين، تدفّق (تكوّن) بيئة إيجابية من حولنا.

  1. فرحة الصّداقة

من لديه أصدقاء لديه كنز. إنّ الصّداقة الطّيّبة، مع القدّيسين في السّماء ومع أولئك الّذين على الأرض هي دائما مصدر فرح وتعزية كبيرة في الصّعوبات. هذه أمر إنسانيّ وروحيّ في نفس الوقت. كان للقدّيسين بعض الأصدقاء الرّائعين. القدّيسون يعزّزون أفضل ما عندنا ويشجّعوننا على العطاء بشكل أفضل. قالت القدّيسة تريزا عن جق لجماعة الرّاهبات: “هنا يجب أن يكون الجميع أصدقاء، يجب على الجميع أن يحب بعضهم بعضا، على الجميع مساعدة بعضهم البعض”… لا يحدث ذلك مع الجميع ولكن عندما يحدث يكون الأمر هبة من الله ويجب الاعتناء بها.

كان لدى القديس بولس أصدقاء، برنارد وتيموثاوس… الأعمال الإنسانية والعمل الرّسولي العظيم تتم في الجماعة، نساعد ونتساعد. لدينا دائما الوسائل الرّوحيّة مع المسيح ومع الآب، لكن الرّوح القدس أحيانا يرسل أيضا إخوة وأخوات يساعدوننا في النّظر في نفس الاتجاه ويمنحوننا الفرح والشّجاعة.

  1. واجه اللّحظة الحاليّة بحكمة

سر الفرح الكبير هو القدرة على العيش في الوقت الحاضر. في الواقع، لا يمكننا العيش إلّا في الحاضر. الآن، إذا خاب أملنا وعدنا إلى الوراء، فإننا نخاطر بأن نصبح أعمدة ملح مثل زوجة لوط. أو على العكس من ذلك، إذا هربنا من الوقت الحاضر فالتّوق إلى المستقبل بعيد جدّا، ويعتبر جبن وافتقار للواقعيّة. العيش في الحاضر هو الوثوق في أن الله، الثّبات، ومواجهة المشاكل شيئا فشيئا دون أن تثبط عزيمتنا. الفرح في هذه الحالة مرادف للشّجاعة، الشّجاعة على أن نكون أنفسنا، البساطة، التّواضع وأن نفعل ما بوسعنا في المكان الّذي وضعنا فيه الله. هذا من شأنه أن يجعلنا سعداء من الدّاخل، والأشياء الأخرى الأماني ستكون مصدرا للإحباط. إن عيش اللّحظة الحاليّة بفرح هو أن نقدّر ونستمتع بما نحن عليه اليوم.

  1. العلاقات الودّيّة

إنّ القدرة على إقامة علاقات صادقة وودّيّة هي دائما مصدر للفرح، “الحب يكافأ بالحب”، كما تقول تريزا الأفيليّة. نحن دائما أبناء وبنات القدّيس يوحنّا الصّليب الّذي قال: “حيث لا يوجد حب، ضع الحب وتنال الحب”. إذا كانت الصّدقة (عمل الخير) هي الشّجرة، فإنّ الأوراق والثّمار هي معاملة ودّيّة (حسنة) مع الآخرين. إذا كانت الصّدقة هي النّار، فإنّ المعاملة الحسنة مع من حولنا تتحوّل إلى شعلة. يمكننا أن نفعل الكثير من الخير بكلمة طيّبة، بابتسامة… وهذا يجعل الحياة أسهل بكثير. إنّه مثل المرهم الّذي يتكلّم عنه المزمور – الّذي ينزل من لحية هارون، ويخلق الفرح والأخوّة حول نفس الإيمان وحب واحد.

  1. السّعادة في الشّركة مع الجميع

من المهم أن نكون بشرا بلا حواجز أو آفاق، أن نكون شعوبا عالميّة (אוניברסליים). لتكون قادرا، على أن يكون كل فرد كما هو متفرّدا ولكن لا تُكْسَر الشركة مع الآخرين لهذا السّبب. لا يحدث هذا دائما ولكن استخدام وسائل الإعلام يجب أن يوسّع تفكيرنا ويجعلنا أكثر انفتاحا وتسامحا مع الآخرين، مع البشريّة جمعاء. لا يعقل أننا أهل صلاة وأن الرّب قال لنا “اذهبوا في الأرض كلها واعلنوا البشارة” لا يعقل أن نبقى منغلقين على قناعاتنا الخاصّة في مجموعتنا الصّغيرة. مهمّ أن نعرف كيف نستخرج الفرح من اللقاء، من التّنوّع، من الحوار مع أناس قد لا يفكّرون أو يشعرون مثلنا…لكنّهم جزء من هذا العالم ولهم الحقّ في العيش…وفوق كل شيء مهم أبناء من نفس الله والأب الّذي يجمعنا جميعا، ينتظرنا جميعا ويدعونا جميعا حول غموضه (سرّه).

  1. المعنى الإيجابي للحياة الرّوحيّة

إنّه لأمر جيّد وصحّيّ أن نفرح دائما بالقدرة على معرفة واحتضان رسالة يسوع، وخبرة قدّيسينا، أو النّاس الطّيّبة في عصرنا. هناك الكثير من النّاس من هو صالح ومحبوب وعادل وجميل ومقدّس بين أولئك الّذين يحبّون الله. لذلك ليس من الضروري أن نوصي بالتّضحية، الزّهد والمعاناة حتّى من كل هذا ولأجل كل هذا  سيمنحنا الرّب حياة جديدة. يجب أن نعرف أيضا كيفيّة الاستمتاع والتّرحيب بالأمور الإيجابيّة الّتي تأتي إلينا من خلال الصّلاة، النّاس، الأسرار والكنيسة… دعونا نفرح ونبتهج بتجربة وجود الله الآب الّذي يراقب كل واحد منّا والّذي وعدنا “مائة ضعف على هذه الأرض… وكذلك في الحياة الأبديّة”. إنّ العيش في نعمة الله وفي الشّركة مع سرّه يجب أن يملأنا بالفرح الّذي يمكننا ان نشاركه مع من حولنا.

  1. القليل من التّعاطف الإنسانيّ والإلهيّ

نكتة، مزحة، أغنية، قصيدة…أحيانا تكون كنزا من الحكمة والتّعاطف الّذي يصيب (يعدي) الآخرين ويجعل الحياة أكثر احتمالا. إنّ مواجهة الحياة بفرح وروح الدّعابة، مع قليل من الشّقاوة، تحمينا مرّات كثيرة من العديد من الأمراض الّتي لا تساعدنا على الإطلاق…وتكون بمثابة نقطة انطلاق نحو الآخرين، كأداة للتّواصل لجعل الله والمسيحيّة محبّبين. إنّ الفرح الرّوحيّ الّذي يخبرنا عنه القدّيس بولس يقترن تماما بالفكاهة، كما يشهد بعض قدّيسينا.

حس الفكاهة عند القدّيسة تريزا الأفيليّة

لقد أعطتنا القدّيسة تريزا، في الفصل 37 من كتاب الحياة، أعطتنا مثالا جيّدا على كيف يمكن أن نعيش الفرح مع روحانيّة مقدّسة، في حديثها عن التّناقض عندما توجّهت بصراحة وحرّية إلى المعترفين بفرح مظهرة لهم “نعمة”، مظهرة لهم التّعاطف، وعلى العكس من ذلك، استجابوا بجدّيّة شديدة وانزعجوا، وعكسوا لها “سوء حظها” معتقدين إن الرّاهبة الجميلة كانت تحاول كسب ودّهم بحب إنسانيّ.

هي تضحك على ذلك (على نفسها) قائلة كيف فعلت ذلك بحب كبير وحرّية، وهي تسخر من هذه الجدّيّة. حيث أن الرّب جذبها إلى نفسه، لم يكن هناك شيء أو أحد يستطيع أن يفصلها عن هذه الشّركة المقدّسة.

صحيح أن الرّب إنسان مثلنا، لأنّه يشارك إنسانيّتنا بالكامل، أصبح ضعيفا مثلنا، ألها ولنسانا معا، إله قريب منّا، صديق لا مثيل له، في مناسبة معيّنة، رأت تريزا أنّه أصبح بعيد المنال في الصّلاة، فأخبرته تريزا بسهولة وبساطة: “إذا كان بإمكاني أن أختبأ منك عندما تبحث عنّي بحبّ، كما تختبئ عندما أبحث عنك، فأنت أيضا لا تستطيع تحمّل هذا التغيير في الموقف. لذا يا رب كن على العهد ولا تعامل من يحبّك بهذا الشّكل”. تماما كما طلبت من الرّب هذا القرب والودّ، هكذا شعرت بالضّيق عندما راقبت عن قرب الملوك والنّبلاء ورأت آليّة كاملة من المظاهر والاحتفالات الّتي تجعل العلاقات الحقيقيّة صعبة للغاية، وهي حقيقة لا تطاق بالنّسبة لها، لأنّها كذلك. من الصّعب على من يريدون أن يعيشوا حرّيّة الروح تحمّل رؤية الكثير من الباطل.

نعم، حتّى تريزا تمزح مع الله، يقولون أنّه بعد كسر ذراعها، والتّدحرج على الدّرج في دير التّجسّد، اشتكت إلى ربنا وقال لها: “هذه هي الطّريقة الّتي أتعامل بها مع أصدقائي”. فردّت عليه تريزا: “لهذا السّبب لديك القليل منهم”.

أنّه لأمر جيّد أن نتحدّث مع الله بهذه الطّريقة، عندما ندرك، جتّى في أعالي الحياة الصّوفيّة، إنّ إلهنا “لطيف” وبالتّالي علينا الاقتداء به. لطف الله الّذي يتحدّث ويحبّ التّواصل وإنّنا نريد التّواصل والحوار معه، هذه أبسط صلاة: عامله كأب، كصديق. لهذا السّبب، على القدّيسين الّذين يقلّدون الله الصّديق عليهم أن يكونوا لطفاء، حتّى لا يخاف النّاس منهم أو من قواهم. تنصح القدّيسة تيريزا راهباتها: “كلما كنت أكثر قداسة، كلّما كنت ألطف إلى النّاس” (من الدّاخل والخارج). “لا أريد الحزن والكآبة في منزلي” هي مقولة نُسبت على وجه التحديد للقدّيسة تيريزا، على الرّغم من أنها على الأرجح ليست حصرية لها.

” لا تخافي – قالت لأخواتها – بإظهار فرحتك”، حتّى يُحبّ من ينظر إليك أسلوب حياتك ولا يخاف من الحياة المسيحيّة، هذا مثل الإعلان عن الفرح والجمال في حياتك، حيث يشعر النّاس بالغيرة من حقيقة اختيارك لاتّباع المسيح في الحياة التّأمليّة. يقولون أنّها في مناسبة معيّنة كانت بالقرب من الدّير وانفجرت ضاحكة، قالت راهبة دقيقة الملاحظة بعض الشيء: “أمّي، النّاس في الخارج سيصابون بالصّدمة لسماعنا نضحك بصراحة”، فردّت عليها تيريزا: “من الأفضل أن يسمعونا نضحك بدلا من أن يسمعوا بكاءنا”. وللسّيّدة الّتي اقتربت بقليل من الحزن والقلق لتقول للأمّ: ” من يدري كم من العقاب ستنال راهباتك في هذه اللحظة”، أجابت تيريزا: ” إنهنّ الآن يحضّرن مسرحيّة كوميديّة لعطلة عيد الميلاد”. هذه بعض من الأمثلة علن كيف أنّ القدّيسين يعرفون المزاح ويعرفون كيف يضحكون ويحتفلون بالفرح الّذي جعله الله في قلوبنا.

فلنعش بفرح، لأنّ الله فرحا عظيما، الله تجسّد لكل غموض، يريدنا أن نكون سعداء، ممتلئين منه، نورا، سعادة وفرحا أبديّا.

This site uses technical cookies that are necessary for its functioning, third party cookies that permit aggregate statistical analyses, as well as third party profiling cookies to improve your experience while browsing the site and to develop personalized commercial communications. By clicking on “I Accept” or continuing to use the site in any way You are giving Your consent to the use of these cookies. For further information, also concerning the deactivation of cookies, please refer to the Cookie Policy.

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close